الوشوم اليابانية التقليدية المتعلقة بالياكوزا في مهرجان سانجا ماتسوري في مقاطعة أساكوسا في طوكيو في 20 مايو/أيار. صورة: AFP / Behrouz Mehri

صنعت اليابان مئات الأفلام عن عصابات الجريمة المنظمة “الياكوزا” ولكن ليس من بينها الكثير من أفلام الكوميديا. لم يضحك أحد عندما كشفت مجلة أن العديد من أشهر نجوم الكوميديا اليابانيين قدموا عروض لأكبر العصابات المنظمة في اليابان، الياكوزا. قامت الوكالات برفد أو تعليق المؤديين المطورتين.

قامت وكالة “يوشيموتو كوجيو”، أحد أهم وكالات المواهب للكوميديين في اليابان، بعقاب عملائها من الكوميديين بشكل علني بسبب قيامهم بعروض غير موثقة وحضور حفلة لمجموعة الجريمة المنظمة.

تضع الوكالة التركيز في بيانها على قيام أعضائها بعروض غير رسمية بدون الرجوع لها، وهو ما يثير التساؤل: هل الكوميديون كانوا سيفلتون من التأديب لو كانوا اقتسموا مكاسبهم من العروض المشبوهة مع الوكالة؟

للوكالة تاريخ طويل من التورط مع الجريمة المنظمة، منذ ستينات القرن الماضي. تعرض أحد أهم الكوميديين المتعاقدين معها، شينسوكي شيمادا، للإقصاء من الحياة العامة في 2011 بعدما ظهر وجود علاقات قريبة بينه وبين أكبر مجموعات الجريمة المنظمة في اليابان، ياماجوتشي جومي. تضمن تورط الكوميدي معهم التعامل في العقارات واتفاقات أخرى، والتي لم تعد مقبولة بعد تطبيق قانون إقصاء جماعات الجريمة المنظمة في اليابان.

حدثت الواقعة منذ حوالي خمس سنوات، عندما حضر الكوميديون شينيا إيري وهيرويوكي مياساكو وريو تامورا حفلة بعنوان “إنسى العام” استضافتها مجموعة كبيرة من النصابين.

كانت المجموعة المستضيفة، وهي تتضمن 40 شخص، مدعومة من أحد فروع الياماجوتشي جومي. نصبت المجموعة على 1000 شخص بقيمة 19 مليون دولار أمريكي.

كان للمجموعة فريق متخصص يتصل بالأهداف ويبيع لهم أسهم في شركة طاقة شمسية، أو يتهمهم باستخدام خدمات جنسية بدون دفع الرسوم، أو يطالبوهم بتعويض أو يستخدمون عدد آخر من القصص المزيفة لمطالبتهم بالمال.

تدعي الياكوزا التزامها بمعيار أخلاقي في أعمالها الإجرامية، إلا أن هذا النشاط تضمن النصب على كبار السن والاستيلاء على مدخرات حياتهم.

إدعى الكوميديون عدم وعيهم بهوية القائمين على الحفلة. ولكن عندما تم الكشف عن حصولهم على مبالغ كبيرة في مقابل حضورهم، أعربت “يوشيموتو كوجو” عن هلعها. رفدت الوكالة الكوميديين الذين اتهمتهم بالتوسط لتنفيذ الاتفاق. تم رفد مياساكو، أحد مقدمي البرنامج الرائج “مكتب قانوني” الذي كانت الجماهير تصطف لحضوره. يبدو أن الكوميديين كانوا غير واعين أن التربح أو دفع مبالغ مالية للياكوزا ضد القانون.

قال ميازاكو في اعتذاره العلني: “أنا نادم بشدة على قبول الأموال من عناصر إجرامية، حتى ولو بشكل غير مباشر.”

تم حذف المشاهد الخاصة بالكوميديين الموقوفين من برامج المنوعات، وتم وقف بعض البرامج. أوقف تلفزيون الدولة الياباني البرامج التي تتضمن الكوميديين المتورطين.

 ما زالوا موجودين

في وضع مشابه لأيام هوليوود القديمة، حيث كان للعصابات الإجرامية تأثير كبير، ما زال لمجموعات الجريمة المنظمة مثل ال”ياكوزا” تأثير كبير على قطاع الترفيه.

كشفت تقارير شرطية مسربة في 2007 تسجيل أسماء أقوى وكالات المواهب اليابانية ك”عملاء”  في سجلات مجموعات الجريمة المنظمة.

في أوج قوته، سيطر قائد الياكوزا الأسطوري تاداماسو جوتو على وكالات المواهب في طوكيو وستوديوهات الأفلام بقبضة حديدية وحتى الشرطة كانت على علم بذلك. كان هذا في النهاية سبب سقوط جوتو. في أكتوبر/تشرين الأول 2008، نشرت مجلة شوكان شينشو الأسبوعية صور من عيد ميلاد جوتو يظهر فيها مع بعض أهم مشاهير اليابان. أحد الحاضرين كان ممثل معروف بتمثيل أعضاء الياكوزا في الأفلام، يبدو أنه كان يؤمن بالمنهج الواقعي في التمثيل واتخذ جوتو كمثال لأدواره.

ما كان من صناع التليفزيون والإذاعة العامة اليابانية سوى ادعاء الفزع والصدمة ومنع المتورطين من الظهور.

كان رد فعل “ياماجوتشي جومي” هو رفد جوتو بسبب إحراجه للمؤسسة.

في وقت ما، كانت أفلام الياكوزا قطاع مهم في عالم الأعمال في اليابان، خاصة في ستينات القرن الماضي، عندما وصلت أعداد أعضاء الياكوزا إلى 184 لف.

أحد ممثلين اليابان الأكثر شعبية، كن تاكاكورا، اكتسب سمعة لتمثيله أدوار تؤكد الأسطورة أن أعضاء الياكوزا محاربون شجعان وأخلاقيون. كانت الأفلام كثيراً ما تمثل أعضاء العصابات كخارجين عن القانون نبلاء، يحافظون على التقاليد اليابانية بحماية الضعيف من القوي.

امتلكت الياماجوتشي-جومي وكالتها الخاصة للمواهب، كوبي جينوشا. إلا أن الشرطة أجبرت الشركة على إغلاق أبوابها.

استمر التمثيل الذي يمجد العصابات حتى عام 1992، عندما صنع المخرج الأيقوني يوزو إيتامي فيلم يصور الياكوزا على حقيقتهم: مبتزين مفترسين ونصابين.

كان الفيلم، وهو كوميديا سوداء بعنوان “الفن الرقيق للابتزاز الياباني” هو الأول من نوعه الذي يرسم أعضاء الياكوزا كأشرار ويجعل من المحامين والمواطنين وضباط الشرطة الذين يتصدون لهم أبطال.

لم يجد عضو العصابة تاداماسو جوتو الفيلم مضحكاً. قام عدد من رجاله بمهاجمة المخرج، إيتامي، في منزله، وقاموا بالحفر في وجهه ببطء لترك ندوب وتوصيل رسالة: الياكوزا لا تملك حس فكاهة.

إدعى جوتو في سيرته الذاتية أن غالبية عالم العصابات أعطوا موافقتهم على الاعتداء على المخرج، إلا أن رد الفعل العام كان سلبي جداً. صعدت الشرطة من حملتها على الياكوزا وبدأ التدهور الحالي للمجموعة.

في 2018، استخدم جوتو 4 مليون دولار من ماله الخاص لإنتاج فيلم سيرة يمجد فترة شبابه التي صعد فيها كمجرم، واعتمد الفيلم جزئيا على سيرة جوتو الذاتية. رغم الانتهاء من التصوير، لم توافق أي شركة على توزيعه ولا أي ساحة عرض على عرضه.

آبي وعلاقته بالوكالة

بسبب طبيعتهم المستغلة للفرص، تتغلغل الياكوزا في المجال السياسي وليس قطاع الترفيه فقط. يجب التنويه هنا لأن السياسة اليابانية قد تكون مسلية مثل قطاع الترفيه أحياناً.

لم يكن توقيت العقوبات على الكوميديين مواتي بالنسبة لرئيس الوزراء شينزو آبي، مع اقتراب الانتخابات التشريعية. تربط وكالة “يوشيموتو كوجيو” علاقات وثيقة مع رئيس الحكومة، حتى أن آبي قام مؤخراً بظهور مفاجيء في أحد عروضها الكوميدية. من المرجح أن رئيس الوزراء لا يضحك الآن.

تأثرت سمعة رئيس الوزراء بالفضيحة الأخيرة، والتي أعادت للأذهان مشاكل قديمة.

واجه آبي نفسه اتهامات في الماضي باستخدام الياكوزا لمصلحته. ظهرت صور لرئيس الوزراء مع قيادي بال”ياماجوتشي جومي” في 2012 وانتشرت في الصحافة المحلية والعالمية. في 2018، نشر صحفيان تحقيق كاشف يتهم رئيس الوزراء بتوظيف متعامل مع الياكوزا، سايشي كوياما، لتدمير غريم سياسي. بحسب التقرير، عندما تأخر آبي في الدفع، تآمر كوياما مع الياكوزا لتفجير منزله ومكتبه.

خسر صديق آبي المقرب ووزير التعليم السابق هاكوبون شيمومورا منصبه عندما تم الكشف، من ضمن فضائح أخرى، عن تلقيه التمويل من  أحد المتعاملين مع الياكوزا.

تعرض  الكثير من السياسيين الآخرين في اليابان للإحراج بسبب علاقاتهم السابقة مع الياكوزا. تسببت تقارير عن علاقات بين وزير العدل الياباني تاناكا كيشو بمجموعة إيناجاوا كاي الإجرامية في 2012 في إقامة الانتخابات التي أعادت آبي للسلطة.

إذا لم تنجح اليابان في إخراج الياكوزا من السياسة فمن المرجح أن يكون إخراجهم من قطاع الترفيه صعب أيضاً. خاصة أنهم يتمتعون بشعبية على الشاشات. حققت سلسلة ألعاب الياكوزا، ريو حا جوتوكو، مبيعات بالملايين في أنحاء العالم. يشاع أن بعض المؤدين الذين قاموا بالأصوات الظاهرة في اللعبة لديهم علاقات إجرامية.

رغم أن عدد أعضاء الياكوزا في اليابان في هبوط سنوي، إلا أنه ما زال هناك معجبين متفانين بأفلام الياكوزا. فحياتهم بالفعل تصلح للدراما السينمائية وتخلق أبطال وأشرار شيقين. يبدو أن هناك إنتعاش في الأفلام والمسلسلات المتعلقة بعالم العصابات في اليابان.

بل إن وكالة المواهب “تاكارا-جومي” ومقرها طوكيو مكونة بشكل أساسي من أعضاء العصابات السابقين وهو ما يوفر عامل “مصداقية” عند تأديتهم لأدوار أفراد العصابات.

Join the Conversation

1 Comment

Leave a comment