الملك التايلاندي «ماها فاجيرالونغكورن» يزور تمثال الملك «راما اﻷول» بعد توقيعه على الدستور المدعوم من القوات المسلحة في 6 أبريل 2017 في بانكوك. صورة: AFP / Lillian Suwanrumpha
الملك التايلاندي «ماها فاجيرالونغكورن» يزور تمثال الملك «راما اﻷول» بعد توقيعه على الدستور المدعوم من القوات المسلحة في 6 أبريل 2017 في بانكوك. صورة: AFP / Lillian Suwanrumpha

في تدخل سياسي غير معتاد، قال الملك التايلاندي «ماها فاجيرالونغكورن» في خطاب متلفز ليلة الجمعة 8 فبراير إنه يعتبر سعي اﻷميرة أخته الكبرى لرئاسة الوزراء «أمر غير ملائم»، ويخالف أحكام الدستور التي ترفع العائلة الملكية فوق السياسة.

ومن المتوقع أن ينهي اﻹعلان الملكي الصارم سعي «أوبولراتانا راجاكانيا» للفوز برئاسة الوزراء تحت حزب تأسس حديثًا تحالفت فيه مع «تاكسين شيناواترا»، رئيس الوزراء السابق المدان جنائيًا والذي يعيش في منفى اختياري.

وفي صباح السبت 9 فبراير، نشرت «أوبولراتان»ا رسالة عبر إنستجرام شكرت فيها «كل التايلانديين» بسبب «الحب واللطف» وكذلك «الدعم اﻷخلاقي» الذي لاقته منهم. ولم تعلن الرسالة بصراحة عن انسحابها من الترشح ولم تذكر رسالة أخيها الملك، قائلة أنها فقط تتمنى «أن ترى تايلاند تتحرك إلى اﻷمام كي تصبح محبوبة ومقبولة من المجتمع الدولي».

ومن المنتظر أن تصدر هيئة الانتخابات قراراتها هو أهلية جميع المرشحين لرئاسة الوزراء في 15 فبراير.

وأشعلت «أوبولراتانا» المشهد السياسي التايلاندي صباح الجمعة بإعلانها الترشح، لتصبح أول فرد من العائلة الملكية يسعى إلى منصب عام منذ إعلان المملكة ملكية دستورية في 1932.

جاء اﻹعلان في اليوم ذاته الذي أعلن فيه رئيس الوزراء «برايوت تشان أوتشا» الذي جاء بانقلاب عسكري ترشحه تحت حزب «بالانج براشارات» حديث التأسيس، والذي يُعتبر وكيلًا عن مجلسه الحاكم للحفاظ على دوره السياسي بعد انتخابات 24 مارس.

صورة دعائية من حملة اﻷميرة «أوبولراتانا» تحت راية حزب «تاي راكسا تشارت». صورة: Facebook
صورة دعائية من حملة اﻷميرة «أوبولراتانا» تحت راية حزب «تاي راكسا تشارت». صورة: Facebook

وتسببت اﻹعلانات المتنافسة، على اﻷقل رمزيًا، في وضع الجيش وأعضاء العائلة المالكة في تنافس مباشر غير مسبوق على السلطة السياسية. انقلاب برايوت في مايو 2014 أطاح بحزب «بيوا تاي»، والذي كان حليفًا لـ «تاكسين شيناواترا»، وأنهى عقدًا من الاحتجاجات الدائرة في الشارع السياسي.

أحد المصادر الرسمية ادّعى أن إعلان ترشح «أوبولراتانا» فاجئ «برايوت» المؤيد الكبير للملكية على حين غرة والذي أشرف على انتقال ملكي سلس من الملك الراحل «بوميبول أدولياديج» إلى «فاجيرالونغكورن». وحاول مستشاروه التأكد من اﻹشاعات حتى وقت متأخر من ليلة الخميس، بينما كانت يضع اللمسات اﻷخيرة على إعلانه الترشح.

وقال مصدر رسمي طلب عدم كشف هويته لآسيا تايمز أن «فاجيرالونغكورن» منح موافقته لـ «برايوت» للسعي إلى رئاسة الوزراء في الانتخابات، مشددًا على اندهاش معسكره بإعلان دخول «أوبولراتانا» إلى السباق الانتخابي. وأضاف المصدر أن «برايوت» كان «منزعجًا» من اﻹعلان.

وحتى اﻹعلان الملكي المتلفز في 8 فبراير، لم يتضح ما إذا كانت العائلة المالكة دعمت سعي «أوبولراتانا تكتيكيًا لدخول السياسة في جناح حزب حليف ﻷكبر أعداء «برايوت» ومجلسه العسكري، «تاكسين»، «بيوا تاي»، ومجموعات احتجاج السترات الحمراء المتحالفين معهم. لكن الخطاب الصارم للملك ليلة 8 فبراير أوضح عدم صحة هذا التصور.

YouTube video

فسر البعض دخول اﻷميرة لعالم السياسة كسعي ملكي لتأسيس وحدة بين المعسكرات السياسية المستقطبة قبل الانتخابات، بهدف خلق حكومة وحدة وطنية مدعومة ملكيًا لمصالحة الاختلافات السياسية العميقة عبر الولاء المشترك للعرش.

لكن إعلان اﻷميرة تسبب في تأثير عسكي في الواقع الافتراضي. حظت شبكات التواصل الاجتماعي بصخب انتشار مواد مناهضة للعائلة المالكة، وبالتحديد مناهضة لـ «أوبوراتانا» في رد فعل سريع ﻹعلانها المفاجئ الترشح.

كثيرون على الجانب «اﻷصفر» من الاستقطاب السياسي في البلاد المضاد لـ «تاكسين» ومعسكره السياسي نشروا رسائل تدعي أن اﻷميرة لم تكن تجرأ على هذه الخطوة وقت «بوميبول» في مديح وحنين للملك الراحل الموقر بشكل كبير، والذي توفي في أكتوبر 2016. لكن صخب التواصل الاجتماعي خفت أخيرًا بعد خطاب «فاجيرالونغكورن»، حسبما لاحظ مسؤولون ومحللون.

سعى إعلان ترشح «أوبوراتانا» إلى تصوير اﻷميرة كواحدة من العوام تتطلع للاستمتاع بحقوقها السياسية، والاستفادة من سنوات من الخبرة بالخارج لقيادة البلاد. وأكد اﻹعلان على الكيفية التي عملت بها شخصيًا عبور دراستها الجامعية في الولايات المتحدة اﻷمريكية، في إشارة ضمنية لعدم تمتعها بمصاريف ملكية.

السكرتير العام للجنة اﻹصلاح الشعبي الديمقراطي سوثيب ثوجسوبان» يحيي أنصاره في حديقة لومبيني أثناء إعلانه عن مسيرة كبيرة في 14 مايو 2014. صورة: Bangkok Post / Patipat Janthong
السكرتير العام للجنة اﻹصلاح الشعبي الديمقراطي سوثيب ثوجسوبان» يحيي أنصاره في حديقة لومبيني أثناء إعلانه عن مسيرة كبيرة في 14 مايو 2014. صورة: Bangkok Post / Patipat Janthong

«أوبوراتانا»، الشقيقة الكبرة لـ «فاجيرالونغكورن» والتي ما تزال أميرة بشكل رسمي، كانت قد تخلت عن ألقابها الملكية عام 1972 بزواجها من طبيب أمريكي تطلقت منه بعد 16 عامًا. ومن المتوقع أن تستعيد ألقابها بشكل كامل خلال الاحتفال الرسمي بتتويج «فاجيرالونغكورن» في 4-6 مايو أو بعده.

ومنذ عودتها إلى تايلاند في 2001، مُنحت «أوبوراتانا» امتيازات العائلة المالكة، ومن بينها توقف حركة المرور أثناء مرور موكبها الملكية في بانكوك، ومعاملة بروتوكولية دبلوماسية أثناء سفرها إلى الخارج.

بعض المسؤولين عرفوا باجتماعات مؤخرة عقدتها «أوبوراتانا» مع «تاكسين» في منفاه الاختياري خارج البلاد، بعضها كان في المملكة المتحدة حيث يمتلك مساكن فخمة في لندن وبرمنغهام. كما قابلت اﻷميرة كذلك رئيس الوزراء السابق في هونغ كونغ في ديسمبر، بحسب مصدر على معرفة وثيقة.

وتوقع العديدون أن تكون هذه الاجتماعات غير المعلنة رسميًا بهدف اﻹبقاء على «تاكسين مشتبكًا وهادئًا تحت الحكم العسكري القوي حتى يتمكن «فاجيرالونغكورن» من دعم سلطته. لكن قليلين فقط توقعوا وقتها أن كلاهما يتفاوض حول دخولها عالم السياسة بدعم اﻷحزاب الحليفة لرئيس الوزراء السابق.

كانت لجنة الانتخابات منعت «تاكسين» من التعامل مع أحزاب سياسية بما فيها «بيوا تاي» و «تاي راكسا تشارت»، ونفت بشكل مستمر أي ارتباط أو سيطرة عليه. كما هددت لجنة الانتخابات بحل بـ «بيوا تاي» مسبقًا حين قابل بعض أعضائها رئيس الوزراء السابق خارج البلاد.

رئيس الوزراء التايلاندي السابق «تاكسين شيناواترا» يتحدث خلال مقابلة جماعية في طوكيو في 23 أغسطس 2011. صورة REUTERS/Yuriko Nakao
رئيس الوزراء التايلاندي السابق «تاكسين شيناواترا» يتحدث خلال مقابلة جماعية في طوكيو في 23 أغسطس 2011. صورة REUTERS/Yuriko Nakao

جانب كبير من الرسائل التي غمرت شبكات التواصل الاجتماعي قبل الإعلان التوضيحي لـ «فاجيرالونغكورن» أعرب عن مخاوف محافظة من أن تميل حكومة تقودها «أبولراتانا» إلى العفو والتصالح من «تاكسين»، بما يسمح بإعادته إلى المملكة حرًا طليقًا.

وأكدت هذه الرسائل وجود مخاوف متجذرة من أن رئيس الوزراء السابق سيتمكن في النهاية من تجاوز أي عقبات على رجوعه، ربما عن طريق عفو ملكي، والانتقام من أعضاء المجلس العسكري الحاكم وحلفائه المحافظين.

ومن المعروف أن «تاكسين» يحمل ضغينة كبيرة بسبب إدانة المجلس العسكري الجنائية لشقيقة رئيس الوزراء السابق «ينغلاك شيناواترا»، والتي تعيش أيضًا في منفى اختياري. في منشور على إنستجرام وقت هروب ينغلاك من البلاد في 2017، شجعت اﻷميرة شيناواترا على الاستمرار في المقاومة.

ومن بين من يُعتقد أنه في مرمى «تاكسين» وزير الدفاع الجنرال «بروفيت ونجسووان»، الحليف القوي لـ «برايوت» والذي يتمتع بقاعدة ولاء كبيرة داخل القوات المسلحة، والذي تبادل انتقادات لاذعة مع «تاكسين» عبر تصريحات إعلامية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي مع اقتراب التصويت.

رئيس الوزراء التايلاندي «برايوث تشان أوتشا» (يمينًا)، ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع «براويت ونجسوان» قبل اجتماع الحكومة اﻷسبوعي في مقر الحكومة في بانكوك في 4 يناير 2017. صورة: Reuters/Athit Perawongmetha
رئيس الوزراء التايلاندي «برايوث تشان أوتشا» (يمينًا)، ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع «براويت ونجسوان» قبل اجتماع الحكومة اﻷسبوعي في مقر الحكومة في بانكوك في 4 يناير 2017. صورة: Reuters/Athit Perawongmetha

ويعتقد مراقبون أن «برايوت» سيتم التضحية به في إدعاءات الفساد إلى تمكن تحالف بقيادة «بيوا تاي من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وهو اﻷمر الوارد حدوثه طبقًا لكثيرين إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة. برايوت سيحظى ببعض الحماية من قبل مجلس النواب المعين من القوات المسلحة والذي يسيطر على تعيينات الهيئات المستقلة، ومن بينها لجنة مكافحة الفساد.

لكن السؤال اﻵن هو ما إذا بالغ «تاكسين» هذه المرة في اللعب سياسيًا مع العائلة المالكة، وهي تهمة حساسة ساهمت في اﻹطاحة به في انقلاب 2006، ثم عادت إلى السطح على صفحات فيسبوك مع إعلان «أوبوراتانا» ترشيحها، في وقت يوشك حلفائه السياسيون على استعادة السلطة عبر الانتخابات.

وبينما تخفت الرسائل الهجومية مع تدخل «فاجيرالونغكورن» وإعلانه القوي، إلا أن المخاوف التي أُعيد إثارتها بصدد انتقام «تاكسين» و «بيوا تاي» السياسي في حالة عودتهم قد يتم استغلالها من قبل المجلس العسكري بدعوى الحفاظ على السلام والاستقرار لتأجيل التصويت مرة أخرى.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *