في سبتمبر/ايلول 2002، سافر رئيس الوزراء المنتخب حديثاً جونيشيرو كويزومي لبيونج يانج لحضور قمة تاريخية مع القائد الكوري الشمالي الراحل كيم يونج إل، والد الرئيس الحالي كيم يونج أون.
كان على المحك احتمالية ترسيخ علاقة دبلوماسية بين البلدين والمساعدات المالية المرتبطة بها التي كانت كوريا الشمالية في أشد الحاجة لها.
صاحب كويزومي شخصية سياسية صاعدة، شينزو آبي. كان آبي، الذي أصبح اليوم رئيس وزراء اليابان، يدرس موضوع الاختطاف وكان يعلم أن القمة تمثل فرصة لاستعادة 17 شخص تتشكك اليابان في اختطافهم من قبل كوريا الشمالية.
أراد القائد الكوري الشمالي الأموال، وكان اليابانيون على علم بذلك. عندما بدأ الوفد الكوري الشمالي في المماطلة، انسحب اليابانيون لغرفة جانبية. مع علمهم بوجود أجهزة تنصت بالغرفة، قال آبي وباقي الفريق الياباني أن لا فائدة من البقاء إذا لم يكن الكوريون الشماليون جادون في إعادة اليابانيين المخطوفين لبلادهم.
نجحت الحيلة. بعد عودتهم لطاولة المفاوضات، صدم الفريق الياباني باعتراف كيم باختطاف 17 شخص ووعده بإعادتهم لليابان.
عودة خمسة مختطفين
بعد شهر، وصل خمسة من المختطفين لمطار هانيدا. كانت المرة الأولى التي يعودوا لبلادهم منذ 25 عام. تابعت عائلة ميجومي بمزيج من الفرح والألم. انتظرت والد ميجومي، شيجورو، في ممر الهبوط، مستعد بالكاميرا، يأمل، بعكس المنطق، أن تخرج ميجومي من الطائرة بالرغم من أن الحكومة اليابانية أخبرتهم بالفعل أنها لن تكون ضمن الخمسة العائدين. لم تتحقق آمال العائلة.
بينما يشاهد خروج المخطوفين من الطائرة على صدرهم الشارات الحمراء لكيم يونج إل، صارع شقيق ميجومي، تاكويا مع أفكار متضاربة. يقول تاكويا أنه فكر: «كم أنه شيء مر هذا الذي فرض عليهم»، ثم تساءل ما كان أحدهم يعلم شيء عن ميجومي.
ببعض المناورة المحترفة، استطاعت اليابان تفريق المختطفين المحررين عن الأفراد الكوريين المكلفين بمرافقتهم لسؤالهم ما إذا كانوا يفضلون العودة لكوريا الشمالية كما ادعى كيم. اختاروا جميعاً البقاء في اليابان.
ادعت كوريا الشمالية أن غالبية الإثنى عشر المتبقيين توفوا. إلا أن الإرهابية المعتقلة كيم هيون هوي استطاعت إثبات عكس ذلك لبعض منهم.
استغرقت الحكومة اليابانية شهور في استخلاص المعلومات من مواطنيها المحررين، الذين تجرعوا جرعات يومية من البروباجاندا بجانب نصيب صغير من الطعام في الشمال الذي يعاني المجاعة. ولكن مع إعادة دمجهم في المجتمع الياباني وفهمهم لضخامة البرنامج الكوري الشمالي تحولت نشوة العودة إلى الوطن إلى عدم تصديق وصدمة.
انتشرت أخبار المختطفين حول العالم. وبدأت بلدان أخرى في إعادة فتح القضايا العالقة. في النهاية ظهر أن مواطنين من فرنسا ولبنان وماليزيا ورومانيا انتهى بهم الأمر في كوريا الشمالية. كانت مخابرات القائد كيم تدير شبكة اختطاف عالمية لمدة عقود، ولم يستطيع أحد اكتشاف ذلك.
أمريكا تهتم
حتى أن الطالب الأمريكي ديفيد سنيدون الذي أختفى أثناء تواجده في مقاطعة يونان بالصين في 2004 قد يكون اختطف من قبل كوريا الشمالية، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تستطيع التأكد من ذلك.

إلا أن موقف الولايات اللا مبالي تجاه الاختطافات التي تنفذها كوريا الشمالية انتهى في 2016 عندما تم القبض على الطالب الأمريكي أوتو وارمبير في كوريا الشمالية والحكم عليه ب15 عام بتهمة محاولة سرقة لافتة بروباجاندا أثناء قضائه أجازة في بيونج يانج. في يونيو/حزيران 2017، تم نقل وارمبير في طائرة للولايات المتحدة بعد دخوله في غيبوبة،إلا أنه توفى بعد عودته بأيام. سبب وفاته ودخوله في الحالة التي استدعت نقله للولايات المتحدة يظل مجهول حتى اليوم.
الرئيس دونالد ترامب الذي جعل كوريا الشمالية محور أساسي في رئاسته أعطى اهتمام للأمر. في نوفمبر/تشرين الثاني2017، سافر ترامب مع السيدة الأولى ميلانيا ترامب إلى اليابان، وهناك التقى مع رئيس الوزراء آبي وعائلات بعض المواطنين اليابانيين الذين ظل مصيرهم مجهول في الشمال الغامض.
بعد ستة أشهر، التقى ترامب مع قائد كوريا الشمالية كيم يونج أون في سينجابور في أول قمة بين البلدين. شعر الكثيرون بالأمل، مع الحفاظ على توقعات واقعية، منهم عائلة ميجومي، التي التقت بجورج بوش الإبن وباراك أوباما وقادة في الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في جهودهم الممتدة لإعادة ميجومي لوطنها.
قال تاكويا أثناء زيارته للأمم المتحدة في مايو/أيار: “نعتقد أن هذه هي آخر فرصة لنا.” كان تاكويا هناك للإدلاء بشهادته عن انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
ميجومي: حية أم ميتة؟
كما أشارت الجاسوسة والإرهابية كيم هيون هوي، قد تكون قيمة ميجومي عند الحكومة الكورية هي ما يمنع عودتها. يقول تاكويا: «ربما يعتقد الكوريون الشماليون أنهم إذا أطلقوا سراح شقيقتي سيعلم العالم عن شبكة الجواسيس الكورية الشمالية المنتشرة حول العالم». في 2004، ربما في محاولة لإثناء عائلة ميجومي عن تصميمها على عودتها، قدمت حكومة كوريا الشمالية للحكومة اليابانية شهادة وفاة ووعاء من الرماد والعظام.
قالت كوريا الشمالية أن ميجومي انتحرت بعد معاناتها من الاكتئاب.
إلا أن شهادة الوفاة كانت مزورة وجاءت نتيجة التحليل الوراثي على البقايا غير واضحة. قامت الحكومة الكورية الشمالية، مع علمها باهتمام الرأي العام بمصير ميجومي، بالتلاعب بالمعلومات المتوفرة عنها بحرفية.
قضت الأسرة ال20 سنة الماضية في محاولة لتحقيق توازن مستحيل بين ضرورات السياسة ورغبتهم في استرجاع ميجومي.
تظل مسألة الاختطاف عائق في العلاقة بين البلدين. يتطلب الحل إفصاح كامل وشفاف من حكومة كوريا الشمالية، ولن يسمح الرأي العام الياباني لحكومته بالمضي للأمام في العلاقة بين البلدين حتى يتم حسم المسألة.
يعيشون على الأمل
الشهر الماضي، كان تاكويا يوكوتا أحد الحضور في قاعة ريتاكو التي أطفئت فيها الأنوار أثناء عرض فيلم عن أخته المختطفة على الشاشة الكبيرة أمامه.
على مدار ال30 دقيقة كاملة، جلس تاكويا بلا حركة. عندما صعد على المنصة بعد انتهاء الفيلم، كان صوته مهزوز. اعترف أنه لم يستطيع مشاهدة الفيلم كاملاً من قبل، كان لا يزال مؤلم أكثر من احتماله.
والده شيجورو، الذي يبلغ من العمر 86 عام، يرقد على فراش الموت في المستشفى. والدته، ساكي، تستمر في السفر في أنحاء اليابان وحول العالم، تطلب من العالم المساعدة في إعادة ميجومي. الوالدان يتمنيان أن يطول عمرهما حتى يستطيعوا رؤية ميجومي مرة أخرى. إلا أنهم يعلمون أن هناك قوى أكبر منهما في الأمر.
يقول تاكويا: «يجب أن نجعل العالم يرى أن المختطفين اليابانيين ليسوا فقط من يعانون على يد عائلة كيم، كل المواطنين اليابانيين ال25 مليون يعذبوا من قبل العائلة الحاكمة الكورية الشمالية أيضاً.»
لم يتضح بعد من سيربح: التعسر الدبلوماسي في ظل إخفاء الحقيقة من قبل كوريا الشمالية وعدم فعالية حكومة اليابان، أم الأمل في عودة الفتاة الصغيرة التي اختفت في ليل داكن من شهر نوفمبر/تشرين الثاني منذ أربعة عقود.
ميجومي توكويا في صورة تم التقاطها في كوريا الشمالية. تم تسليم الصورة لليابان أثناء المفاوضات بين

ترجمة: هبة عفيفي