منذ ما يقرب من أسبوعين، في مساء يوم خميس، انطلق صبي يبلغ من العمر 15 عام في ولاية سايتاما اليابانية في هجوم محموم باستخدام سكين أودى بحياة جده وترك جدته بالكاد تتشبث بالحياة. أصابت القضية، التي حظت باهتمام إعلامي كبير، الكثير ممن يعرفون الصبي وعائلته بالذعر والذهول.
عندما تم الضغط عليه ليكشف عن دافعه، قال المراهق لشرطة سايتاما: «كنت أخطط لقتل زميل دراسة بسبب خطأ لا يغتفر، وأردت أن أحمي عائلتي من الألم والخزي عن طريق قتلهم جميعاُ أولاً… ثم قتله».
قصة لا تصدق؟ قد يعتمد ذلك على منظورك الثقافي.
يعتقد محقق ياباني مخضرم وخبير جرائم أن الصبي صادق تماماً فيما قاله، إلا أنه يتفهم صعوبة تصديق ذلك من منظور غربي.
هذه القضية هي إحدى أمثلة ظاهرة جديدة في الجريمة اليابانية: النسبة المتزايدة لجرائم القتل داخل العائلات والتي تشكل الآن 55% من جرائم القتل على مستوى الدولة.
أربعة سكاكين لخمسة ضحايا
بحسب تقارير الإعلام الياباني ومصادر قريبة من التحقيقات، كان الصبي الذي يدرس في الصف الثالث بالمرحلة المتوسطة يعيش مع والديه في مدينة واكوشي بولاية سايتاما، حيث يقيم جده وجدته أيضاً. تم التحفظ على إسم الولد التزاماً بمتطلبات القانون الياباني.
كان الصبي يدرس في مدرسة خاصة في المنطقة وكانت تجمعه بجده وجدته علاقة قوية، وكان يزورهم كثيراً. كان جده رسام هاوٍ معروف وترأس مجموعة من الفنانين المحليين الذين كانوا يقيمون معرض سنوي في طوكيو.
لم يكن الصبي مثير للمشاكل في المدرسة، بحسب معرفة مشرفيه، ولكنه كان يعتبر منعزل. كان الصبي عضو في نادي العلوم بمدرسته وكان ضليع في استخدام التكنولوجيا. كان مستواه الدراسي جيد ولم يكن للمسؤولين بالمدرسة دراية بأي مشاكل تخصه.
تغير كل هذا في مساء 18 أكتوبر. عاد الصبي من المدرسة حوالي السادسة مساءاً وذهب لمنزل جديه. بينما لا يزال يرتدي زيه المدرسي، قام بالإعتداء على جده ذي ال87 عام، بأكثر من 10 ضربات بالسكين في جسده العلوي وطعنات عميقة في المعدة، خرقت بعضها أعضائه الداخلية. قام أيضاً بإصابه جدته ذات ال82 عام بقطع في الرقبة، إلا أنه استجاب لطلبها استخدام الحمام قبل أن تموت. اتصلت الجدة بوالدته من الحمام الساعة 6:50 مساءاً، وتركت رسالة محمومة على بريدها الصوتي تترجاها للمجيء حالاً.
ترك الصبي جده وجدته في بركة من الدماء وهرب. غير ملابسه وألقى بزيه المدرسي الملطخ بالدماء في مكان قريب. الساعة 7:25 مساءاً، وصلت الأم إلى المنزل، ووجدت الجسدين المصابين واتصلت بالمساعدة. توفى الجد إثر النزيف وعاشت الجدة.
تم القبض على الصبي في الصباح التالي الساعة 9:50 بالقرب من محطة كاواجو، على بعد 20 كم من مسرح الجريمة. كان في حقيبته سكين ذبح المستخدم في الجزارة وثلاثة سكاكين أخرى، أحدهم ما زال ملطخ بالدماء. عندما استجوبته الشرطة، اعترف الصبي بطعن جده وجدته بنية قتلهما. تفيد التقارير بقوله للشرطة: «ليس هناك خطأ. لقد فعلتها بنفسي».
من المتوقع أن يواجه القاصر تهمة قتل جده إلا أنه لم يقتل زميله في المدرسة ومن المستبعد أن يواجه تهم بشأن هذا الجزء من خطته.
تعتقد الشرطة أن دافع القتل لم يكن ضغينة يكنها الصبي تجاه جدوده ولكن رغبة ملتوية في حمايتهم من خزي ان يكون حفيدهم قاتل. كان الصبي يخطط لقتل جميع أفراد عائلتة قبل قتل الصبي الذي كان يتعرض للتنمر منه.
الموت أفضل من احمرار الوجنتين؟
قد يبدو تفادي الخزي دافع غريب لقتل عزيز، إلا أن محقق متقاعد وخبير جريمة ياباني يعتقد أن اعتراف الصبي حقيقي. قال تايهي أوجاوا لآسيا تايمز أن تقريباً نصف جرائم القتل في اليابان تتم داخل العائلة وأن الرغبة في حماية الضحايا من الحرج والخزي تكون أحياناً عامل في ذلك.
«الكثير من اليابانيين يستطيعون فهم ذلك بدون صعوبة. إلا أنه صعب على الفهم بالنسبة لأجنبي. ما تم نقله عن اعترافات الصبي منطقي تماماً بالنسبة لي، أعتقد أنه قابل للتصديق تماما وبناءاً على خبرتي أفهمه تماماً». يرد أوجاوا على التساؤل المحوري حول هذه الظاهرة وهو: أليس من الأفضل أن يعيش الإنسان بشعور بالخزي من أن يقتل؟ ويقول: «بالتأكيد، بالنسبة لشخص أمريكي، غالبية الناس تعتقد ذلك ولكن الأمر يعود للبناء النفسي للمجرم».
يقوم أوجاوا، الذي كتب عدة كتب رائجة عن الجريمة في اليابان، بالتحقيق في القضية حالياً. وافقه الرأي محقق من منطقة كانتو لديه 10 سنوات من الخبرة في الجرائم العنيفة. يشرح المحقق الذي طلب إخفاء هويته: « اليابان ثقافة خزي، هذا الخزي يساعد أحياناً في الحفاظ على النظام بشكلٍ ما. ولكن الجانب المظلم هو أن البعض يشعر أن الموت أفضل من الحياة في خزي. ولكن عندما يطبقون هذه العقيدة على الآخرين، لا يمنع ذلك من اعتبارها جريمة قتل. بالتأكيد لا يصح قتل أشخاص لحمايتهم من الحرج». ألقى المحقق باللوم أيضاً على الإعلام: «في قضية مماثلة، من المنطقي أن يرغب الصبي في حماية عائلته من الخزي عندما يخطط لقتل شخص. لأن، في كل مرة يقترف قاصر جريمة بشعة، يحاصر الإعلام عائلته بمطالبات بالإعتذار وتحمل مسؤولية فعلته. حتى صبي في الخامسة عشر يعرف ذلك. برغم أن النتائج بشعة – إلا أن النوايا قد تكون بريئة».
بالفعل، يقوم الإعلاميون في اليابان بملاحقة الأهل للحصول على تعليق منهم عندما يقوم قاصر بجريمة، وكثيراً ما يتم تحميل الأسرة المسؤولية. في مناظرة تلفزيونية عن تغطية الجرائم في اليابان على برنامج « نظرة من المراسلين الأجانب على اليابان» على قناة TBS، لم يستطيع أي من الضيوف تقديم إجابة مقنعة على سؤال لماذا يتم تحميل العائلة من قبل العامة والإعلام مسؤولية جرائم اقترفها أحد أفرادها.
في اليابان، أكثر القاتلين من الأقارب
القضية الحالية هي جزء من ظاهرة أكبر في اليابان: القتل داخل العائلة. أعلنت الشرطة اليابانية العام الماضي أن 55% من جرائم القتل في 2016 تمت من قبل أفراد في العائلة وأن هذه الظاهرة في طريقها للزيادة.
في حالة الأهل الذين يقتلون أولادهم وأنفسهم بسبب فقدان العمل أو المرض أو عدم التوازن النفسي بهدف منع المعاناة عن أطفالهم، لا تشير وسائل الإعلام لهذه الحوادث بال«قتل» ولكن تستخدم مصطلح « موريشينجو» وهو يعني «الانتحار القسري».
هذا المصطلح مألوف بالنسبة للجميع في اليابان. في سبتمبر، كتب المراسل السابق بجريدة ماينيتشي يوكو كورويوا مقال عن التغطية الإعلامية للقتل العائلي وقال: «هناك شيء لم أفهمه أبداً أثناء عملي كصحفي: عندما يموت طفل نتيجة العنف العائلي تكون القصة محل اهتمام على مستوى البلد. أما إذا قام الأهل بقتل الأطفال والانتحار، نطلق على ذلك «موريشينجو» وتسقط القيمة الإخبارية للقصة. يجب أن نتوقف عن استخدام مصطلح يجمل العنف العائلي».
بحسب الخبراء، يحصل مرتكبو القتل ضد أعضاء من عائلتهم على أحكام أخف، وأحياناً يحصل القاتل على حكم مع إيقاف التنفيذ ولا يسجن. تقوم الصحافة اليابانية حالياً بملاحقة أهل الصبي ذي ال15 عام لمطالبتهم بتفسير سبب تصرف ابنهم وهو، مما يثير السخرية، تطبيق للمنطق الذي دفع الصبي للقتل.
وهذا فعلاً مثير للخزي.
ترجمة هبة عفيفي