قررت مدينة أوساكا، في خلاف سياسي وتاريخي مهم، أن تنهي علاقتها كمدينة شقيقة مع مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، بعدما قامت الأخيرة بعرض تمثال “عمود القوة” في ذكرى المعروفات ب”نساء الراحة” اللاتي أجبرن على العمل في بيوت دعارة تابعة للجيش الياباني الإمبراطوري أثناء حرب منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
تظهر في التمثال التذكاري المصنوع من البرونز بارتفاع 10 أقدام، ثلاثة سيدات فوق منصة تشبكن أيديهن، بينما ترفع سيدة أكبر في السن رأسها لتنظر إليهن.
السيدة الأكبر هي كيم هاك-سون، وهي أول إمرأة كورية جنوبية تحكي قصتها ك”إمرأة راحة” في أغسطس 1991. رفعت كيم دعوى جماعية ضد الحكومة اليابانية في ديسمبر من نفس العام إلا أنها توفت قبل الفصل في القضية. يُخلد الآن نضالها في قلب مدينة أمريكية رائدة.
سان فرانسيسكو ترد
أزعجت المبادرة السلطات اليابانية. كانت أوساكا وسان فرانسيسكو قد أطلقتا اتفاقهما كمدينتين شقيقتين في 7 أكتوبر 1957، كان هذا الأسبوع سيكون العيد ال61 لهذا الحدث.
إلا أن عمدة أوساكا هيروفومي يوشيمورا أعلن أن هذا الاتفاق منتهي، وعرض ستة نقاط اعتراض بشأن التمثال في رسالة مفتوحة لعمدة سان فرانسيسكو لندن بريد، يشرح لماذا يجب هدم التمثال من وجهة نظره ويفسر قرار بتر علاقة المدينتين الشقيقتين.
كانت الأزمة الأساسية بالنسبة ليوشيمورا في الكتابة على التمثال التي تقول:
“هذا التمثال شاهد على معاناة مئات الآلاف من النساء والفتيات، اللاتي يطلق عليهن مجازاً “نساء الراحة” اللاتي قام الجيش الياباني الإمبراطوري باستعبادهن جنسياً في 13 بلد بمنطقة آسيا والمحيط الهادىء من 1931 إلى 1945. لقت معظم هذه السيدات حتفها أثناء أسرهن وقت الحرب”.
قال يوشيمورا في الجواب: “المشكلة في التمثال التذكاري لسيدات المتعة في سان فرانسيسكو و الكتابة عليه أنه يقدم وجهة نظر واحدة وغير مؤكدة كحقائق تاريخية”.
وأضاف: “تحتفظ الحكومة اليابانية بوجهة نظر محددة في قراءة التاريخ، كما أن المؤرخين اختلفوا على حقائق تاريخية مثل عدد “نساء الراحة” ودرجة انخراط الجيش الياباني في الأمر ومدى الأذى الذي وقع في وقت الحرب”.
قال العمدة الياباني أيضاً أن التمثال سيتسبب في إزعاج المجتمع الياباني في الولايات المتحدة. اقترح يوشيمورا، بدلاً من تحديد اليابان، إعتبار “نساء الراحة” قضية عالمية والأخذ في الإعتبار أن عدة جيوش أجنبية (ذكر منهم الأمريكي والبريطاني والألماني والقوات السوفيتية) قد استغلوا النساء وقت الحرب.
يقول المسئول الياباني أن هذه المقاربة ستكون أكثر فاعلية كتعهد ألا تسمح أي من البلاد بتكرر مثل هذه المأساة.
معركة حول التاريخ
نجح نشطاء-كوريين جنوبيين بالأساس ومعهم كوريين-أمريكيين وصينيين-أمريكيين-في تسليط الضوء على قضية “نساء الراحة”.
تضمنت حملاتهم وضع تماثيل في كوريا والولايات المتحدة وأستراليا- كان أهمهم خارج السفارة اليابانية في سول وخارج القنصلية اليابانية في بوسان- وأخذ الناجيات من نساء الراحة في جولات للحديث عالمياً والكشف عن أفعال الجيش الياباني غير الأخلاقية أثناء الحرب. دعمت المؤسسات الرسمية بكوريا الجنوبية هذه المجهودات.
سردية النشطاء، وهي التي اعتمدها الإعلام العالمي، هي أن حوالي 200,000 من “نساء الراحة”، كوريات بشكل أساسي ومنهن قاصرات، كانوا في الحقيقة مستعبدات جنسياً، أجبرهم الجيش الياباني على العمل في بيوت الدعارة حيث تعرضوا للاغتصاب الجماعي.
طالب النشطاء حكومات طوكيو المتتالية بالاعتذار والتعويض للناجيات.
بعض الباحثين يقدمون نسخة للأحداث أكثر تعقيداً. يوجد خلاف حول عدد النساء اللاتي تعرضن لهذه الممارسة وجنسياتهن. وبينما لا يوجد خلاف على استغلال “نساء الراحة” بشكل حصري من قبل القوات اليابانية، إلا أن دور الجيش الياباني في جلب النساء وإدارة بيوت الدعارة غير واضح.
تشير الدلائل لوجود وسطاء يابانيين وكوريين منخرطين في الإتجار بالبشر ولحصول على الأقل بعض نساء الراحة على تعويض مادي كبير.
اعترفت اليابان بالظاهرة واعتذرت عن استغلال نساء الراحة في إعلان رسمي في 1993 إلا أن النشطاء انتقدوا بشدة موقف رئيس الوزراء اليميني شينزو آبي من شعور اليابان بالذنب تجاه فترة الحرب.
قال آبي في 16 مارس 2007 أن وسطاء مستقلين هم من أجبروا النساء على العمل بالدعارة ونفى أي دور للدولة أو الجيش. إلا أنه اعتذر عن هذه التصريحات بعد 10 أيام قائلاً: “أود أن أعبر عن تعاطفي مع نساء الراحة وأعتذر عن الموقف الذي وجدن أنفسهن فيه.”
كان آبي أكثر وضوحاً في ديسمبر 2015 وعبر عن: “اعتذار صادق وندم لكل النساء اللاتي تعرضن لتجارب مؤلمة بشكل لا يمكن قياسه، وعانين من جروح نفسية وجسدية لا يمكن شفاؤها كنساء راحة”.
دفعت طوكيو أيضاً تعويضاً لسول، ليتم توزيعه على الناجيات من الضحايا.
بالرغم من تصريحات آبي-التي قد تكون فرضتها عليه الضغوط السياسية-يظل النشطاء غير مقتنعون بصدقه، وتوافقهم في ذلك حكومة كوريا الجنوبية.
انتقدت حكومة سول الحالية بشدة اتفاق 2015 وجمدت الأموال التي دفعتها اليابان.
حكاية تمثال
أصبح التمثال محط نقاش وطني وسياسي في اليابان. علق رئيس الوزراء على التمثال في نوفمبر من العام الماضي قائلاً: “تقديم التمثال التذكاري لنساء الراحة كهدية لمدينة سان فرنسيسكو ليس مثير للأسى فحسب، بل هو منافي لوجهة نظر الحكومة اليابانية”.
كان نشطاء يابان-أمريكان قد مارسوا الضغط لتنفيذ مشروع التمثال في 2015 وحصلوا على تمويل خاص من “منظمة العدالة لنساء الراحة” بقيمة 205,000 دولار.
بحسب موقع المنظمة، يمثل التمثال مئات الآلاف من النساء والفتيات اللاتي أخذهن جيش اليابان الإمبراطوري من الصين وكوريا والفلبين وإندونيسيا وتيمور الشرقية و بلدان آسيوية أخرى. أملت المؤسسة أن يساعد التمثال في زيادة الوعي بالتجارة الجنسية بالنساء في وقت الحرب.
وافق مجلس مدينة سان فرانسيسكو بالإجماع على البناء التذكاري في 2015، وتم اختيار الفنان الأمريكي-البريطاني ستيفن وايت لتصميم التمثال الذي افتتح في سبتمبر 2017.
منذ ذلك الوقت، أبدى يوشيمورا وسابقه تورو هاشيموتو اعتراضهما على التمثال في سبعة رسائل لعمدة مدينة سان فرانسيسكو بين 2015 و2017. لم يصل للمسؤولين اليابانيين رد من العمدة السابق لسان فرانسيسكو إد لي أو الحالي، بريد.
يعتبر اتفاق المدينتين الشقيقتين رمزي إلى حد كبير ويهدف لتشجيع التبادل الودي بين المدينتين. منذ إعلان أوساكا وقف الإتفاق، علق مكتب عمدة سان فرانسيسكو بأن القرار “يدعو للأسى” وبأن العلاقات القوية ستستمر على مستوى الشعوب.
تقول ليليان سينج، وهي قاضية متقاعدة وشريكة في إدارة منظمة العدالة لنساء الراحة: “قطع العلاقة بسبب تمثال هو تصرف شائن وسخيف، وهو يظهر كم يخاف عمدة أوساكا ورئيس الوزراء الياباني من الحقيقة. هم يحاولون إنكار التاريخ”.
قالت دارا كاي كوهين، وهي أستاذة سياسات عامة بجامعة هارفارد لمجلة نيويوركر العام الماضي بعد عرض التمثال: “تخليد ذكرى اغتصاب النساء علناً شيء نادر. كدارسة للاغتصاب وقت الحرب، أنا أجد ذلك أمر غير عادي.”
لم يتم إعلان أي خطط لإزالة التمثال.
ترجمة هبة عفيفي